محاضرات أخرى في هذه السلسلة
أحد الأهداف القريبة للصيام هو الذي عُبّر عنه بالتقوى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} يُستفاد من هذا التعبير الجميل أنّ احتمال حصول التقوى من خلال الصيام هو هدفٌ مهمٌّ جدًّا وأساسي.
كيف يحقّق الصيام حالة التقوى في النفس؟
قال الإمام الصادق (ع): إِنَّ الْعَزِيزَ الْجَبَّارَ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ كِتَابَهُ وَهُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ، فِيهِ خَبَرُكُمْ وَخَبَرُ مَنْ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَنْ بَعْدَكُمْ وَخَبَرُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَوْ أَتَاكُمْ مَنْ يُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ لَتَعَجَّبْتُمْ. [الكافي، ج2، ص 599]
بعض الناس يصومون فقط لأنّه واجبٌ عليهم، وشيئًا فشيئًا حتى هذا الوجوب يختفي من أذهانهم ومن قلوبهم ويتحوّل إلى نوع من العمل دون الالتفات إلى الآثار والثمار. لذلك فإنّ توجه القلب إلى أهداف الصيام قد يكون عاملًا مهمًّا جدًّا في تفعيل دور الصيام في حياتنا المعنويّة. فما الذي يمكن أن نستفيده من منازل الوحي فيما يتعلّق بأهداف الصيام؟ولماذا كان شهر رمضان معظمًا عند الله سبحانه وتعالى؟ما سرّ عظمة ليلة القدر؟ وكيف نستعدّ لها؟
في قوله تعالى {واستعينوا بالصبر والصلاة} يقول الإمام الصادق (ع) عن الصبر بأنّه الصوم.شهر الصيام إذن هو شهر الصبر الذي من خلاله نزداد إيمانًا ويقينًا بحضور القدرة الإلهية في حياتنا.إنّ التحمّل الذي يحدث عند الإنسان الصائم بهذه الانضباتية العالية مهما كانت الظروف المناخية يولّد عنده قدرة إضافية، هذه القدرة هي القدرة المعنوية التي هي أعلى بكثير من القدرة المادية وبواسطة هذه القدرة سيتمكن الإنسان من شهود قدرة الله سبحانه وتعالى لأنّ الله أنعم علينا بكل هذه الوسائل لأجل أن نصل إلى قدرته، أن ندرك حضوره لا أن نحتجب بالأسباب عنه سبحانه وتعالى.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، ألا لله الدين الخالص}.الإخلاص لله سبحانه وتعالى هو شرطٌ أساسي لقبول الأعمال وللقرب منه تعالى، فلا يُتقرّب إلى الله إلا بالاخلاص له، قال الله عز وجل في حديثٍ قدسي: "لا أقبل إلا ما كان لي خالصًا".وقد ورد في الحديث: "الصوم لي". بالتأكيد، كل العبادات هي لله سبحانه وتعالى، لكن كأن هذا الحديث يريد أن يقول لنا أنّنا بالصيام نستطيع بسهولة أن نستشعر حضور الله عز وجل والتوجه إليه وطلبه. فكيف ذلك؟